الخميس، 26 فبراير 2009

فصـل المطــر

كان يوماً كأي يوم في شتاء ديسمبر
الساعة السابعة صوت المنبه يرن في أذنيها ،تحاول جر ساقيها كي تستيقظ ،فهي أول شئ يعرقل صباح كهذا ،لا تريد أن تخرجهما من دفئ الغطاء ،دقيقة أخرى لن تضر
تقولها وتغرق في سبات عميق ن دقيقة أخرى ،ودقيقة تلو دقيقة جتى صارت الساعة السابعة والنصف ، تقفز مفزوعة غير مبالية بالبرد أو بصوت الامطار التي لازالت تنقر على نافذة غرفتها ،تأخرت عن العمل وهناك خياران كي تلحق به ،إما أن تذهب مرتدية منامتها ،أو تستقل طائرة نفاثة من فوق سطح منزلها هكذا فكرت في سخرية وغضب من كسلها
كم أكره الشتاء
قالتها وهي تحاول ارتداء ملابسها ، ولا حتى القهوة
هرعت خارجة من المنزل ، واستقلت سيارتها

والمطر يلاحقها في كل مكان ،حتى اصبحت الرؤية شبه منعدمة لاترى أمامها سوى انوار السيارات تحاول أن تشق طريقها بين الضباب ،وبطء حركة المرور جعلها تستشيط غضباً
وضعت يدها على المقود في وضع الاستعداد وهي تنقر بأصابعها في حركة عصبية اعتادت عليها منذ صغرها
وأصبحت هي الأخرى مصدر ازعاج وسط ضجيج السيارات ،صوت المطر ،اصابعها كل هذا أصبح غير محتمل وشرد تأخرت على العمل ،من المؤكد هذا آخر يوم لي ،لن تتحمل خصم آخر هذا الشهر
وأخيراً تحركت السيارات
أخذت تقود كالمجنونة وسط الطريق ،حتى وصلت إلى العمل

الثامنة إلا دقيقتين ، سوف تستغرق في إيقاف السيارة بالجراج هاتين الدقيقتين ،ثم قررت أن توقفها عند أول ناصية حتى توقع حضور ثم تنزل مرة أخرى لايقافها
محطة انتظار أخرى لا تنتهي ،المصعد ، المكتب بالطابق السابع لا يمكن بأي حال من الأحول أن تصعد سبعة طوابق!!!
وأخيراً دلفت سريعاً إلى المصعد وسط تكدس الموظفين وكأنه موقف حافلات
صباح الخير يا أستاذ عمر
صباح النور يا مدام نهلة ،إيه الأخبار؟؟
لم يكن لديها وقت للثرثرة فأجابته باستياء
توقيع الحضور لو سمحت
أنا آسف، أستاذ شوقي جه وشاله
شعرت وكأن الأرض تدور بها ومن حولها
ايه ليه؟ هي الساعة لسه جت تمانية
ازاي من زمان الساعة تمانية ودقيقتين دلوقتي
شعرت برغبة عارمة في البكاء والصراخ وكأن النظام يسود كل شئ ودقيقيتها الاثنتان ستعطل سير الكون
شعرت بظلم وقهر وغضب شديد من كل شئ ،منه لأنه جعلها تسهر لوقت متأخر في انتظاره ، غضب من كسلها عنا لاستيقاظ مبكراً ،غضبها من الشتاء ،غضب من المطر وحركة المرور ،غضب من كل شئ
غضب من حياتها فلم يعد أمام ناظريها شئ تستيقظ من اجله
غضب شديد اعتراها وهي تسير في الرواق المؤدي إلى مكتبها ،ثم مالبثت أن ألقت بجسدها المنهك وروحها الستاءة على مقعدها

مافيش صباح الخير ؟؟ قالتها زميلتها مداعبة إياها بعد أن لاحظت الضيق على وجهها
وهيجي منين الخير؟؟؟
ليه بس يا بنتي ،الخير في كل مكان ،ده حتى المطر مابيجيش معاه غير الخير
انا مش عايزة أسمع سيرته
مين ده؟
المطر والبرد والقرف والظلم والذل والكسل وال....
ثم قطعت كلامها وهي تقوم بشغل نفسها ببعض أوراق تأخرت في تسليمها بالأمس
وهي تفكر في حالها ،فلم تكن يوماً بهذا الكسل واليأس والضيق في حياتها نلم تكن لتؤجل عملاً كانت تستيقظ قبل أي موعد بساعة على الأقل ولم تكن لتضطر أن تحتار في اختيار ملابسها فهي مجهزة من ليلة أمس ولم تكن تضطر لتبرر تأخرها المستمر أو تتذلل لأحد كي تثبت الحضور
حاولت أن تحدد متى حدث كل هذا ،وكأنها استيقظت يوماً لتجد نفسها انساناً آخراً غيرها
انتهى الدوام وانتهى معه كل آلامه حتى الآن ، أخذت تفكر وهي توصد درج مكتبها بأنها ستعود إليه غداً وتقوم بنفس الشئ غداً وان غداً سيكون كاليوم وأمس وكل يوم
استقلت المصعد برفقة زميلتها التي أخذت تحدثها عن مصاريف الثانوية العامة وهي تدعو بان يمر هذا العام بسلام فقد أخذ من أعصاب الجميع ما يكفي
الواحد تعب والله ، الدروس الخصوصية مصت دمنا
قالتها زميلتها وهي تتنهد في ضيق أسى ،لم تخلو من ابتسامة مرحة وهي تداعبها
بكره تجيبوا عيال وتشوفي هياخدوا دروس من الحضانه
ابتسمت نهلة في تهكم وكأن هذا ماكان ينقصها
طفل يقضي على ماتبقى من أحلامها ،حتى تستحيل حياتها إلى كابوس
يللا وصلنا يا نونا
قالتها زميلتها وهي تهم بالخروج ، وقامت بتوديعها
ابقي سلمي لي على أحمد
إن شاء الله ،مع السلامة
قالتها وهي تحاول رسم ابتسامة على شفتيها
ثم مالبثت أن تحولت ابتسامتها إلا شهقة لفتت نظر الحشد من حولها ،فقد نسيت أن تعود لتوقف سيارتها بالموقف الخاص بها ،فأخذت مخالفة
ياربي يانا هو أنا ناقصة
حاولت لم شتات نفسها والهروب من أعين الجميع من حولها ، واستقلت السيارة وصولا إلى المنزل وهي تحاول أن تحبس دمعة خرجت رغماً عنها

أوقفت سيارتها أمام المنزل وهي تتأكد من أنها في مكانها الصحيح فالراتب لن يتحمل مخالفتين في يوم واحد ، وخرجت من السيارة وهي توصد بابها بكل قوة أصدر صوتا كالانفجار
وفي غضب حاولت أن تبحث عن مفاتيح باب العمارة والمنزل وهي تحتمي من الأمطار ،لكنها يأست أن تجدها وتذكرت أنها قد نسيتها بالصباح أثناء خروجها مسرعة
وكانت تلك هي القشة ،فلم تعد تحتمل بعد الآن ، فقدت سيطرتها على أعصابها ، وأخرجت هاتفها النقال وهي تبكي لا تعلم إن كانت شاشة الهاتف أغرقت بدموعها أم بقطرات المطر
أنت فين يا أحمد؟؟؟ ،يعني ايه هتتأخر أنا قاعده هنا في التلج ونسيت مفاتيح الشقة جوه ،تعالى بسرعة أنا تعبت
قالتها وهي تصرخ وتتمنى لو كان أمامها في هذه اللحظة كي تلقيه بالهاتف

أنهكها التعب فجلست إلى السلم وهي تحاول أن تهدئ من روعها وتأخذ نفسا عميقاً تحول إلى أنفاس متلاحقة عصبية كلما تذكرت مامرت به اليوم وماتمر به كل يوم
تمنت لو أن أحداً من الجيران يأتي الآن كي يقتح لها باب العمارة على الأقل
البواب ده لازم ينطرد
فكالمعتاد عم ابراهيم لايشغل باله بحراسة العمارة ،يقضي معظم أوقاته في جراج بالحي ذاته كعمل آخر لديه متحججاً بصعوبة المعيشة وأن راتب عمل واحد لايكفيه

مرت النصف ساعة كالدهر وهي تشاهد الأطفال في الشارع يتراقصون تحت المطر ويغنون وهذا يرفع رأسه إلى السماء فاتحاً فمه وذراعيه للمطر
وآخر فتح زمزميته يملأها بمياه المطر
أضحكها الأخير ،وأخيرا ضحكة استطاعت أن تغزو تلك العبرات المنهمرة من عينيها ، فقد تذكرت أنها كانت تحب المطر كثيرا وهي صغيرة
في العمارة المقابلة ،خرجت سيدة مسرعة غلى الشرفة كي تنقذ ماتبقى من الغسيل من المطر ، ضحكت لتلك الأخرى وكأنها لم تنتبه منذ الصباح إلى المطر حتى الآن كي تجمع ملابسها
وتذكرت والدتها عندما كان يأتي فصل الشتاء فانها تضع مشمعاً وتثبته فوق الملابس حتى لايفسدها المطر وكان هي تساعها بالمشابك كي تثبتها ، وتذكرت كلمات والدتها عندما أخبرتها بأنها قد ولدت في المطر
وتذكرت أنها أحبته في المطر ،وأنهم تزوجوا في فصل المطر
هكذا كانت تطلق على الشتاء فصل المطر فهو أكثر ماتحبه أو بالأحرى ماكانت تحبه
معلش أنا آسف ياحبيبتي والله الطريق انتي عارفة عامل ازاي
قالها زوجها وعيناه مليئة بحنان واسف أسى من أجلها وهي تنتظر على السلم
رفعت رأسها إليه حتى رأت وجهه وعيناه
ولايهمك ياحبيبي ، أنا اتسليت شوية هنا يعني كنت هطلع أعمل إيه فوق
قالتها مبتسمة إليه وهي تمد يدها لتمسك بيدها كي يساعدها على النهوض
دخلت إلى منزلها
وفتحت النافذة على مصراعيها
نهلة هتغرقي كده
قالها مستغرباً لتصرفها
ماتخافش
أنا اتولدت في المطر
وأدركت اليوم رغم أنه قد يبدو من أسوأ أيام حياتها
إلا أنها اليوم قد ولدت من جديد
في فصل المطـر


الأربعاء، 4 فبراير 2009

إنا لله وإنا إليه راجعون

إنا لله وإنا إيه راجعون
توفى زميلنا وأخانا المدون محمد عبد الحكم رياض (الفارس الملثم)
صاحب مدونة ثرثرة تحت المطر
لازلت غير مصدقة أو مستوعبة
فقد كان من أوائل المدونين الذين قرأت لهم وكم أعجبتني كلماته التي حملت بين طياتها الحزن والحكمة
أسألكم أن تدعوا له بالرحمة والمغفرة
بسم الله الرحمن الرحيم
كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ
آل عمران 185
اللهم ابدله دارا خيرا من داره واهلا خيرا من اهله وادخله الجنة واعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار
اللـهـم عاملة بما انت اهله ولا تعامله بما هو اهله
اللـهـم اجزه عن الاحسان إحسانا وعن الأساءة عفواً وغفراناً
اللـهـم إن كان محسناً فزد من حسناته , وإن كان مسيئاً فتجاوز عن سيئاته
اللـهـم ادخله الجنة من غير مناقشة حساب ولا سابقة عذاب
اللـهـم اّنسه في وحدته وفي وحشته وفي غربته. اللـهـم انزله منزلاً مباركا وانت خير المنزلين
اللـهـم انزله منازل الصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا
اللـهـم اجعل قبره روضة من رياض الجنة ,ولا تجعله حفرة من حفر النار
اللـهـم افسح له في قبره مد بصره وافرش قبره من فراش الجنة .اللـهـم اعذه من عذاب القبر ,وجاف ِالارض عن جنبيها
اللـهـم املأ قبره بالرضا والنور والفسحة والسرور
اللـهـم إنه فى ذمتك وحبل جوارك فقه فتنة الفبر وعذاب النار , وانت أهل الوفاء والحق فاغفر له وارحمه انك انت الغفور الرحيم
اللـهـم انه عبدك وابن عبدك خرج من الدنيا وسعته ومحبوبيه وأحبائه إلي ظلمة القبر وماهو لاقته
اللـهـم انه كان يشهد أنك لا إله الا انت وأن محمداً عبدك ورسولك وانت اعلم به
اللهم ثبته عند السؤال
اللهم انه نَزَل بك وأنت خير منزول به واصبح فقير الي رحمتك وأنت غني عن عذابه
اللـهـم اّته برحمتك ورضاك وقه فتنه القبر وعذابه و أّته برحمتك الامن من عذابك حتي تبعثه إلي جنتك يا أرحم الراحمين
اللـهـم انقله من مواطن الدود وضيق اللحود إلي جنات الخلود