الثلاثاء، 3 يونيو 2008

حقيبة سفر


إنها الآن الساعة الخامسة والنصف ولم يتبقى سوى ساعتان على موعد الرحيل
ساعتان فقط
لتنهي ما بدأت
وتبدأ من جديد
ساعتان حتى تودع عقدين
وتستقبل أعواماً جديدة
لم تعلم لم شعرت وكأنها في ليلة رأس السنة حيث الخطا لفاصل بين أعوام مضت أخرى قادمة
لكن الفرق ها هنا
أنها لم تستقبله بفرح العام الجديد أو حتى حزناً
لم يتجمع كل من تعرف يهنئون بعضهم البعض بعام قد ولد من جديد
تعلم أنها ستراهم بعد بضع دقائق
فكرت كثيراص في أن تخفي عنهم موعد سفرها
فهي تكره لحظات الوداع ، خاصة تلك التي لن تنتهي بكلمة إلى اللقاء
تعلم أنه لا لقاء بعد اليوم
ورغم ذلك لم تحزم بعد حقائب السفر

اشترت اثنتان متوسطتا الحجم وأخرى صغيرة لاحتياجاتها الشخصية فلا داع لكي تثقل نفسها بكل هذه الأحمال
فيكفيها ماتحمله بداخلها..
فتحت الحقيبة الأولى وأمامها خزانة ملابسها، أخذت تجول بناظريها بين ملابسها الشتوية والصيفية في بادئ الأمر احتارت ماذا تختار، ترى كيف سيكون حال الجو هناك، وسريعاص ما أدركت أنه الأمر سيان، صيفاً أو شتاءً فعليها أن تأخذ كلاهما ، فلن يكون ها هنا شتاء أو صيفاً آخراً...
بعد أن أنهت حزم الحقيبة الأولى، وجدت أنه لا داع للثانية فحتى الأولى لم تمتلا كما اعتقدت، فمع كل قطعة ملابس ذكرتها بمناسبة حضرتها أو مكان قد ذهبت إليه فبدأت اختياراتها تتضاءل إلى الأمور الضرورية حتى ترحل وتبتاع من هناك الجديد...
وجاء دور حقيبتها الصغيرة، في الواقع لم تكن صغيرة جدا، فكانت تكفي لحمل ما خف وزنه وثقل ثمنه كحقيبة ظهر مثلاً، بدأت بوضع حقيبة أدوات التجميل، حتما سوف تحتاجها في مرحلتها الجديدة لكي تضع أحد اقنعتها، نظرت إلى البوم صور على مكتبها وبرواز به صورة لها وهي في بداية الكلية، اخذت تنظر إلى الوجوه في ذلك الوقت "يالله كم كانت البراءة تملأ العيون وتشرق كنور شمس غابت بعد يوم ممطر جميل" وجدت نفسها في كثير من هذه الصور، امتدت يدها لاختيار بعضا من هذه الصور فوجدت أنها بدأت باختيار كل صورها بدءً من طفولتها حتى الوقت الراهن ، ولم تلبث ان تراجعت عن هذه الفكرة، فلم تكن سوى شريط ذكريات يعرض أمامها باستمرار مما قد يجعلها عاجزة عن الاستمرار هي ايضاً والمضي قُدماً، دميتها الصغيرة احتفظت بها منذ أن كانت طفلة صغيرة فلم تكن كباقي الأطفال مخربة بل عرفت كيف تحافظ على كل شئ مما اثار دهشتها كيف تحولت من تلك الطفلة المحافظة إلى الشابة التي فقدت كل شئ.
ثم تركتها هي الأخرى حتى لاتذكرها بفشلها، وجاء دور شهادات التقدير وخطابات الأصدقاء، هي أيضاً جزء من حياتها وذكرياتها، فتركتها هي الأخرى.

لم يتبقى شيئاً لتأخذه وحقيبتها لازالت خاوية ، فحقيبة ادوات التجميل صغيرة جداً كي تحمل في هذه الحقيبة الكبيرة، فقررت تركها هي الآخرى ففي ارض جديدة حيث عالم جديد سوف تحتاق إلى أقنعة من نوع جديد...
صمت رهيب خيم على أرجاء الغرفة قطعه دقات ساعة المنزل تعلن عن بداية الرحيل، أنها الآن السادسة مساءً ولم يتبى سوى ساعةً واحدةً
توجهت نحو شرفة غرفتها لتغلق أدرافها،وتطوي معها صفحة في حياتها،وأصدرت ذلك الصوت،صرير عالي لطالما طلبت إلى أخيها بأن يصلحها، لكن لاجدوى اليوم

دلفت من حجرتها وبيدها حقيبة سفرها وعلى وجهها ابتسامة مصطنعة فمع الأيام تعلم كيف ترسمها وهي التي لم تكن تجيد الرسم يوماً، خرجت لتجد وجوه كل من حولها عابسة حزينة مشفقة مندهشة، ألقت دعابة وهي تحييهم كي تكسر حاجز الصمت لم تشأ أن تحييهم الآن فهي لاتريد أن تضعف من بكاء أو ابتسامة أو لكمة حنونة تجعلها تعدل عن فكرة السفر، نست شيئا واحداً مفاتيح سيارتها ، أعطتها لأخيها طلبت إليه أن يقود هو فهي تريد أن ترى للمرة الأخيرة شوارع مدينتها، طرقاتها، اشجارها، زحامها....

طوال الطريق لم تتحدث بشئ، كانت تسمع دعوات أمها وتوصياتها، والدها يخبرها بأسماء وأرقام وعنواين من تستطيع أن تلجأ إليهم هناك إن احتاجت شيئاً، وهي في واقع الأمر لم تحفظ اياً من هذا ، لم تشأ أن تختلط بأي أحد فقط لأنه سوف يساعدها "وصلنا" قطعت كلمات اخيها أحبال افكارها
وجدت بعض صديقاتها في انتظارها الكل جاء لتوديعها، للحظات وهي تنظري في عيون والدتها وكانت قد حال لونها إلى الأحمر من كثرة البكاء أخذت تجول بناظريها بين الوجوه، تحفظ ملامحهم، تفاصيل لم ترها من قبل، لم تلحظ عينا أخيها من قبل ان لونها عسلي اللون في ضوء الشمس، بدأت التجاعيد في الظهور تحت عينيها الواسعتين الجميلتين، والدها ايضاً قد فقد وزنا كبيراً وزحف كثير من الشيب على شعره، لم تدرك سوى الآن كم كبرا في العمر؟؟؟؟
دقائق هي بل لحظات، وتتوالى القبل والأحضان والدعوات،لم تشعر سوى بأذرعتهم تعتصر ظهرها، فكانت كخنجر نفذ إلى قلبها، وعينا امها تخبرها بأنه لازال هناك وقت للتراجع، آه كم هي عنيدة قالتها بدون صوت مسموع لنفسها، وكأن من حولها قد سمع كلماتها"ياريتك تبطلي العند بتاعك ده" ابتسمت ابتسامة خاطفة وحملت حقيبتها وتوجهت إلى بوابة السفر وتعلن شركة الطيران عن قيام رحلتها.........

جلست بمقعدها بجوار النافذة، منذ أن كانت طفلة اعتادت على أن تجلس بهذا المكان كي ترى الطائرة وهي تحلق والقاهرة تتضاءل من تحتها حتى تصبح البيوت والسيارات بالطرقات كعلب الكبريت أو لعب الأطفال
لكن هذه المرة كان موعد الطائرة ليلاً،أقلعت الطائرة ولم ترى سوى أنوار كشافات السيارات وممر المطار مضاء لارشاد الطائرات اثناء الإقلاع
دعاء والدتها
الطائرة ترتفع ومع ارتفاعها يزداد انحناء رأسها للخلف رغماً عنها
شعر أبيها الأبيض
من الرجاء ربط حزام المقعد
عينا أخيها
من الرجاء من السادة الركاب اطفاء هواتفهم النقالة
ابتسامة صديقتها
ثم أًطفأت أنوار الطائرة
وكلما ابتعدت ابتعلت ظلمة الليل هذه الأنوار حتى اختفت تماماً، أغمضت عينيها أملاً أن تستيقظ
وترى النور من جديد..


هناك 32 تعليقًا:

son's egypt يقول...

السلام عليكم
اعوام تمضي واعوام تاتي
واعوام لا نشعر بها
تلك هي حياتنا مسافرين فيها لا نعلم في اي محطة نستريح ونضع امتعتنا

فاتيما يقول...

الهروب الحقيقى هو الهروب من النفس موش من الاماكن
هيا فاكرة لما تبعد هتنسى ؟؟
النسيان الحقيقى يكون فى العقل و القلب
موش فى الاماكنى
تحياتى يا رقيقة

الفارس الملثم يقول...

بداية وصف وتصوير اكثر من رائع للحظات الوداع , وقد ادخلتي القارئ في جو القصه وشاركتيه حيرة البطله وقسوة الوداع عليها ..

ما اصعب الوداع والفراق لاشخاص واشياء صارت جزء منا , فحين وداعها نشعر اننا تركنا جزء مهم جدا منا ونظل نحن اليها وتلاحقنا الذكريات كاشباح قد نجد من العسير الفكاك منها

تحياتي
محمد

wanna b a physician يقول...

النسيان نعمه من الله عز وجل
ولكن لا يكون بالترحال ولا تغيير الاماكن
انما بالصبر والدعاء لله
دومتى موفقه

أحمد سلامــة يقول...

ما اجمل الرحيل
وما احوجنا اليه
وما احوجنه اليه جدا والله

اجدتي السرد
تحياتي لكِ

اه صحيح هو زرار شيفت معلق في الكيبورد عندك ولاايه ؟؟!!

كاميليا بهاء الدين يقول...

ابتسامة صديقتها
ثم أًطفأت أنوار الطائرة
وكلما ابتعدت ابتعلت ظلمة الليل هذه الأنوار حتى اختفت تماماً، أغمضت عينيها أملاً أن تستيقظ
وترى النور من جديد
.....

الحق .. لا أتذكر كم مرة عيشت هذا الاحساس
لحظة الاقلاع .. انطفاء الانوار
وتلك الوخزة التى تخترق القلب من جراء سهم الغربة



القصة غاية فى الجمال
عيشتها واحسستها جدا
مع الفارق
فمودعينى ليسوا كثير


تحياتى وحبى

Lobna Ahmed Nour يقول...

كم من الصعب ان ندفع بالذكريات في

حقيبة سفر

ابدعتي الوصف ورسم الاحداث

تحياتي

سنووايت يقول...

شهرزاااااااااااااااااد
حرام عليكي
والله العظيم كنت هاعيط
:'(
انا ما كنتش عايزاها تسافر في اخر القصة , كنت مستنية تقولي "وفجأة نهضت من مقعدها في اتجاه باب الطائرة "
انا اكتر حاجة باكرهها في حياتي الفراق لانه اصعب احساس ولانه مفيش اي حاجة تانية ممكن تنسيكي الاحساس دا طول حياتك
الذكريات مهما ابتعدنا بتفضل موجودة معانا ورغم انها بتذكرنا بأشياء يمكن يكون من الافضل اننا ننساها ولكن الذكريات دي هي اللي بتقولك ان سنين حياتك لم تضع هباء حتي ولو كانت ذكريات سيئة فيكفي انها موجودة

أحمد بكر يقول...

فما هاجنى سخط و لا كفنى رضا ولا سائنى ظلم ولا سرنى عدل
و ما قتلتنى الحادثات و انما حياة الفتى فى غير موطنه قتل
(امام العبد)
تحياتى

funckydoctor يقول...

انا مش فاهم ليه ماعملتيش زى الأفلام العربى
والنهايات السعيدة
ما علينا

عـــفـــراء يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.
عـــفـــراء يقول...

السلام عليكم
حبيبتى مااصعب ماكتبتى فاوالله ادمعت عند قراتى لتلك العبارات المريرة
فما اصعب لحظات الوداع والفراق
حبيبتى اعانك الله وصبركى وهون عليكى
تحياتى لكى

HARD TIMES يقول...

شهرذاد
لقد رسم قلمك بدون الوان صوراً مخلتفه
تنبض فيها الحياةوالحزن والوداع والدموع والانتقال من حياة الي حياة اخري للبحث عن كل ماهو جديد والراحه والامان والسكون
احيكي شهرذاد
اما بالنسبة لليوم الحفل
بجد انا سعدت جدا واتشرفت بلقائك والنقاش الجميل اللي دار بنا واتمني اننا نلقتي مره اخري ونسعد بلقائكم
شكراً علي مرورك الجميل بمدونتي البسيطه تقبلي تحياتي

شهرزاد يقول...

son`s egypt:
شكرا على كلماتك ، أحسنت القول
حياتنا محطات لا نعلم بأي منها سنستريح
شكرا لك

شهرزاد يقول...

فاتيما:
أحيانا الهروب من الأماكن يكون هو الحل الأفضل لانها دوما تذكرنا بالذكريات المؤلمة
دمت بكل الخير

شهرزاد يقول...

الفارس الملثم:
شكرا على كلماتك وتقديرك
الوداع والفراق هما أصعب شئ في حياة الانسان
خاصة تلك الأمور التي لانستطيع أن نستعدها مرة أخرى تظل تطارنا كما قلت كالأشباح
تحياتي

شهرزاد يقول...

wanna be a physician:
ونعم بالله
الخروج من المشاكل والهروب منها لايعني عدما لصبر والتوكل على الله
لكن أحيانا يكون هذا هو الخيار الذي أعطاه الله لنا كي نبدأ من جديد
دمت بخير

شهرزاد يقول...

أحمد سلامة:
فعلا ما أحوجنا إلى الرحيل، لكن أوتعلم شيئا أصعب مافيه أننا سنترك جزءاً مننا مهما هربنا
شكرا على زيارتك
تحياتي

شهرزاد يقول...

كاميليا:
كلماتك الرقيقة مثلك أعتز بها للغاية يا كاميليا
الحمد لله أنها أعجبتك
دمتِ بكل الود

شهرزاد يقول...

unique:
شكرا جزيلا والأصعب من الذكريات الملموسة تلك التي تعيش بداخلنا وتمزق ارواحنا
تحياتي

شهرزاد يقول...

سنووايت:
صدقيتي دموعك غالية، لكنها الحياة لقاء ووداع لاينتهي
أما الذكريات ولو مؤلمة فهي تعيش بداخلنا لن تتركنا أبداً حتى لو تناسيناها، حتى تلك المؤلمة كما ذكرتي لانندم عليها لانها جزء من فترة جميلة في حياتنا حتى لو أحيلت إلى رماد بعد ذلك
دمت غالية محبة

شهرزاد يقول...

baker:
شكرا على زيارتك وان كنت للأسف لم أفهم التعليق جيداً
تحياتي

شهرزاد يقول...

funkydoctor:
لان النهايات السعيدة لاتوجد سوى بالأفلام
أما أرض الواقع
فهي دراما الحقيقةأعجبنا ذلك ام لم يعجبنا
تحياتي

شهرزاد يقول...

عفراء:
لم اقصد أن أبكي أحداً بقصتي
صدقيني انني لم ابكي إلا عندما اعدت قراءتها بعد الانتهاء من كتابتها
ففي بادئ الأمر كانت فكرة واكتشفت اناه لربما تكون حقيقة يوماً ما
سلمت يداكِ وشكرا على الدعاء

شهرزاد يقول...

هارد تايمز:
تقديرك وسام اعتز به
ومدونتك بالفعل جيدة تستحق المتابعة
تحياتي

غير معرف يقول...

تقبلى أرق تحياتى لك ولمدونتك الرائعة

Desert cat يقول...

فى البداية طريقة سردك للقصة اكثر من رائعه
تعايشت معها وشعرت بالغصة التى فى حلقها
ربنا معاها وتقدر تتغلب على احساسها
تحياتى يا جميله

أحساس لسه حى...كلام من جوه روح لكل روح يقول...

عزيزتى

اهو هروب ام انه محاولة للبحث ما مات بداخلها او ما اماته من حولها

هى تودع كل شئ وتحاول ان ترى شيئا يساعدها على الرجوع عن قرارها فلم تجد

قرارها اقوى من اى شئ

فما فعلته ليس محاولة للهروب

و محاولة للنجاة بانقاذ ما يمكن ان تقدر ان تنفذه من احساسها

تحياتى

سلام

شهرزاد يقول...

الوداع
لحظات قاسية على قلوبنا
وكأنني أحسست أنها ستغادر إلى عالم جديد
ليس بعالم البشر
فيه التحرر من كل القيود
والهروب من كل الذكريات والاماكن
قصة جميلة من واقعنا
كلمات في غاية الرقة والجمال
تحمل القارىء على معايشة كل التفاصيل
تحياتي لكي

عمو يقول...

فيكفيها ماتحمله بداخلها..

ما بداخنا لا يتركنا وإن تركناه
وأياً كانت وجهتنا فى السفر
فكيف نسافر منا
من أنفسنا

لا يهم ما نحمله فى حقائبنا فدائما مي تتشابه حقائب المسافرين

وبداية طريق جديد لا تعنى إنتهاء الطريق القديم تماما

طرق كتبت علينا ومن كتبت عليه طرق مشاها

وجعتينى يا شهرزاد
وكمان موسيقى
امتى الزمان......ـ
دمتِ فى وطنك بدون إغتراب

تحياتى

المستنصر بالله يقول...

ما شاء الله احاسيسك عاليه جدا بتوصل بسرعه وكلامك جميل ورائع اول مره اجى مدونتك بجد مدونة مميزه جدا وجميله بالتوفيق يارب

littilemo يقول...

مع السلامه